1347089898girl,window,sadness,butterflies,deviant,light02cd644b5a8ea1d11da4d5140c1fb644_hlk

 

من وحي القلم..قراءة: أماني عيسى.

قلتُ لنفسي: ويحك يا نفس إذا وفيت بما في وسعك أردت منك ما فوقه وكلفتك أن تسعي، فلا أزال أعنتك من بعد كمال فيما هو أكمل منه، وبعد الحسن،الى ما هو أحسن منه، وما أنفك أجهدك كلما راجعك النشاط، وأضنيك كلما ثابت القوة،

فإن تكن لك هموم فأنا أكبرها، وإذا ساورتك الأحزان فأكثرها مما أجلب عليك .

أنت يا نفس سائرة على النهج، وأنا أعتسف بك أريد الطيران لا السير، وأبتغي عمل الأعمار في عمر، وأستحثك من كل هجعةِ راحةٍ بفجرِ تعبٍ جديد، وكأني لك زمن يماد بعضه بعضاً، فما يبرح ينبثق عليك من ظلام بنور ومن نور بظلام،

ليهيء لك القوة التي تمتد بك في التاريخ من بعد، فتذهبين ويعيش قلبك في العالم سارياً بكلمات أفراحه وأحزانه .

قلت لنفسي وقالت لي..الرافعي

 

وقالت لي النفس:

أما أنا فإني معك دأباً كالحبيبة الوفية لمن تحبه: ترى خضوعها أحياناً هو أحسن المقاومة.وأما أنت فإذا لم تكن تتعب ولاتزال تتعب فكيف تريني أنك تتقدم ولاتزال تتقدم ليست دنياك ياصاحبي ما تجده من غيرك، بل ما توجده بنفسك، فإن لم تزد شيئاً على الدنيا كنت أنت زائداً على الدنيا، وإن لم تدعها أحسن مما وجدتها فقد وجدتها وما وجدتك، وفي نفسك أول حدود دنياك وآخر حدودها وقد تكون دنيا بعض الناس حانوتاً صغيراً، ودنيا الآخر كالقرية الململمه، ودنيا بعضهم كالمدينة الكبيرة، وأما دنيا العظيم فقارة بأكملها، وإذا انفرد امتد في الدنيا فكان هو الدنيا .

والقوة ياصاحبي تغتذي بالتعب والمعاناة، فما عانيته اليوم حركة من جسمك، ألفيته غداً في جسمك قوة من قوى اللحم والدم . وساعة الراحة بعد أيام من التعب، هى في لذتها كأيام من الراحة بعد تعب ساعة .

وما أشبه الحى في هذه الدنيا ووشك انقطاعه منها، بمن خلق ليعيش ثلاثة أيام معدودة عليه ساعاتها ودقائقها وثوانيها، أفتراه يغفل فيقدرها ثلاثة أعوام، ويذهب يسرف فيها ضروباً من لهوه ولعبه ومجونه، إلا إذا كان أحمق إلى نهاية الحمق.

اتعب تعبك ياصاحبي، ففي الناس تعب مخلوق من عمله، فهو لين هين مسوىً تسوية،وفيهم تعب خالق عمله، فهو جبار متمرد له القهر والغلبة وأنت إنما تكد لتسمو بروحك إلى هموم الحقيقة العالية، وتسمو بجسمك إلى مشقات الروح العظيمة، فذلك ياصاحبي ليس تعباً في حفر الأرض، ولكنه تعب في حفر الكنز .

اتعب ياصاحبي تعبك، فإن عناء الروح هو عمرها، فأعمالك عمرك الروحاني، كعمر الججسم للجسم، وأحد هذين عمر مايعيش، والآخر عمر ماسيعيش .

قلت لنفسي:

فقد مللت أشياء وتبرمت بأشياء . وإن عمل التغيير في الدنيا لهو هدم لها كلما بنيت، ثم بناؤها كلما هدمت، فما من شيء إلا هو قائم في الساعة الواحدة بصورتين معاً،وكم من صديق خلطته بالنفس يذهب فيها ذهاب الماء في الماء، حتى إذا مر يوم، أو عهد كاليوم، رأيت في مكانه إنساناً خيالياً كمسألة من مسائل من مسائل النحاة فيها قولان. فهو يحتمل في وقت واحد تأويل ما أظن به من خير، وما أتوقع به من شر. وكم من اسم جميل إذا هجس في خاطري قلت: آه، هذا الذي كان .

أما والله إن ثياب الناس لتجعلهم أكثر تشابهاً في رأى النفس، مما تجعلهم وجوههم التي لا تختلف في رأى العين: وإنى لأرى العالم كالقطار السريع منطلقاً بركبه وليس فيه من يقوده، ورأى الغفلة المفرطة قد بلغت من هذا الناس مبلغ من يظن أنه حى في الحياة كالموظف تحت التجربة، فإذا قضى المدة قيل له: ابدأ من الآن . كأنه إذا عاش يتعلم الخير والشر، ويدرك ما يصلح وما لايصلح، وانتهى من عمره إلى النهاية المحدودة-رجع من بعدها يعيش منتظماً على استواء واستقامة، وفي إدراك وتمييز . مع أن الخرافة نفسها لم تقبل قط أن يعد منها في أوهام الحياة أن رجلاً بلغ الثمانين أو التسعين وحان أجله فأصبحوا لم يجدوه ميتاً في فراشه، بل وجدوه مولوداً في فراشه .

وقالت لى النفس:

ما شأنك بالناس والعالم ؟يا هذا ليس لمصباح الطريق أن يقول:إن الطريق مظلم إنما قوله إذا أراد كلاماً أن يقول: هأنذا مضيء والحكيم لايضجر ولا يضيق ولا يتململ، كما أنه لا يسخف ولا يطيش ولا يسترسل في كذب الوهم، فإن هذا كله أثر الحياة البهيمية في هذه البهيمة الإنسانية، لا أثر الروح القومية في إنسانها . والحيوان هو الذى يجوع ويشبع لا النفس،وبين كل شيئين مما يعتور الحيوانية كالخلو والامتلاء واللذة والالم تعمل قوى الحيوان أشياءها الكثيرة التى تتسلط بها على النفس، لتحطها من مرتبة إلى مرتبة الى أن تجعلها كنفوس الحيوان، ولهذا كان أول الحكمة ضبط الأدوات الحيوانية في الجسم، كما توضع اليد العالمة على مفاتيح القطار المنطلق يتسعر مرجله ويغلى .

اعمل ياصاحبى عملك، فإذا رأيت في العاملين من يضجر فلا تضجر مثله، بل خذ اطمئنانه إلى اطمئنانك، ودعه يخلو وتضاعف أنت .

انه ليوشك أن يكون في الناس ناس (كالبنوك)، هذه مستودعات للمال تحفظه وتخرج منه وتثمره، وتلك مستودعات للفضائل تحفظها وتخرج منها وتزيدها،وإفلاس رجل من أهل المال، هو إطلاق النكبة مسدسها على رجل تقتله،ولكن إفلاس (بنك) هو إطلاق النكبة مدفعها الكبير على مدينة تدمرها .

قلت لنفسي:

فما أشد الألم في تحويل هذا الجسد إلى شبه روح مع الروح تلك هى المعجزة التى لا توجد في غير الأنبياء، ولكن العمل لها يجعلها كأنها موجودة، والأسد المحبوس محبوسة فيه قوته وطباعه، فإن زال الوجود الحديدى من حوله أو وهنت ناحية منه، انطلق الوحش، والرجل الفاضل فاضل ما دام في قفصه الفكري، وهو ما دام في هذا القفص فعليه أن يكون دائماً نموذجاً معروضاً للتنقيح الممكن في النفس الإنسانية: تصيبه السيئة من الناس لتختبر فيه الحسنة، وتبلوه الخيانة لتجد الوفاء، ويكرثه البغض ليقابله بالحب، وتأتيه اللعنة لتجد المغفرة، وله قلب لا يتعب فيبلغ منزلة إلا ابتداً التعب ليبلغ منزلة أعلى منها، وله فكر كلما جهد فأدرك حقيقة كانت الحقيقة أن يجهد فيدرك غيرها .

وقالت لى النفس:

إن من فاق الناس بنفسه الكبيرة كانت عظمته في أن يفوق نفسه الكبيرة، إن الشيء النهائي لا يوجد في الصغائر والشر، أما الخير والكمال وعظائم النفس والجمال الأسنى، فهذه حقائق أزلية وجدت لنفسها: كالهواء يتنفسه كل الأحياء على هذه الأرض ولا ينتهى،ولا يعرف أين ينتهى، وكما ينبعث النور من الشمس والكواكب إلى هذه الأرض، يشبه أن تكون تلك الصفات منبعثة إلى النفوس من أنوار الملائكة، وبهذا كان أكبر حظاً منها هم الأنبياء المتصلين بتلك الأنوار . ومن رحمة الله أن جعل في كل النفوس الإنسانيةأصلاً صغيراً .يجمع فكرة الخير والكمال وعظائم النفس والجمال الأسنى، وقد تعظم فيه هذه الصفات كلها أو بعضها، وقد تصغر فيه بعضها أو كلها ألا وهو الحب .

لا بد أن تمر كل حياة إنسانية في نوع من أنواع الحب، من رقة النفس ورحمتها، إلى هوى النفس وعشقها وإذا بلغ الحب أن يكون حباً، وضع يده على المفاتيح العصبية للنفس، وفتح للعظائم والمعجزات أبوابها، حتى إنه ليجعل الخرافة الفارغة معجزة دقيقة، ويملأ الحياة بمعان لم تكن فيها من قبل، ويصبح سر هذا الحب لا ينتهى، إذ هو سر لا يدرك ولا يعرف .

اجهد جهدك ياصاحبي، فما هو قفصك الفكرى ذلك الشعاع الذى يحبسك، ولكنه صقل النفس لتتلقي الأنوار، ولا بد للمرآة من ظاهر غير ظاهر الحجر لتكون به مرآة .

قلت لنفسى:

فما أشده مضضاً أعانيه إن أمرى ليذهب فرطاً أكلما ابتغيت من الحياة مرحاً أطرب له وأهتز،جاءتنى الحياة بفكرة أستكد فيها وأداب؟

أهذا السرور الذى لا يزال يقع بين الناس هو الذى لا يكاد يقع لي؟

وهل أنا شجرة في مغرسها:تنمو صاعدة بفروعها، ونازلة بجذورها، غير أنها لا تبرح مكانها؟أو أنا تمثال على قاعدته لا يتزحزح عنها إلا ساعة لا يكون تمثالاً، ولا يدعها حتى تدعه معانى العظمة التى نصب لها؟

قالت لى النفس:

ويحك , لا تطلب في كونك الصغير ما ليس فيه، إن الناس لو ارتفعوا إلى السماء وتقلبوا فيها كما يسيح أهل قارة من الإرض في قارة غيرها، وابتغوا أن يحملوا معهم مما هناك تذكاراً صغيراً إلى الأرض لوجدوا أصغر ما هناك أكبر من الأرض كلها فأنت سائح في سماوات .أنت كالنائم له أن يرى وليس له أن يأخذ شيئاً مما يرى إلا وصفهوحكمته والسرور بما التذ منه والألم بما توجع له .

لن تكون في الأرض شجرة برِجْلين تذهب هنا وههنا، ولكن الشجرة ترسل أثمارها يتناقلها الناس، وهى تبدع الثمار إبداع المؤلف العبقرى ما يؤلفه بأشد الكد وأعظم الجهد مُطْلِقَةً ضميرها في الفكرة الصغيرة، تعقدها شيئاً شيئاً، ثم تعود عليها بالزيادة،  ولا تزال كل وقت تعود عليها حتى تستفرغ أقصى القوة، ثم يكون سرورها في أن تهب فائدتها، لأنها لذلك وجدت .

إن في الشجرة طبيعة صادقة لا شهوة مكذوبة، فالحياة فيها على حقيقتها، وأكثر ما تكون الحياة في الإنسان على مجازها، وشرط المجاز الخيال والمبالغة والتلوين،ولكن متى اختار الله عز و جل رجلاً فأقر فيه سراً من أسرار الطبيعة، ووهب له العاطفة القادرة التى تصنع ثمارها-فقد غرسه شجرة في منبتها لا مفر ولا مندوحه،وقد يخيل له ضعف طبيعته البشرية أحياناً أن نضرة المجد التى تعلوه وتتألق حوله كشعاع الكوكب، هى تعبه وضجره، أو أثر انخذاله وألمه ومسكنته، وهذا من شقاء العقل، فإنه دائماً يضيف شيئاً إلى شيء، ويخلط معنى بمعنى، ولا يترك حقيقة على ماهى، كأن فيه ما في الطفل من غريزة التقليد، والعقل لايرى أمامه إلا الإلهية، فهو يقلدها في مداخلة الأشياء بعضها في بعض، لإيجاد الأسرار بعضها من بعض، ومن ثم كانت الحقيقة الصريحة الثابتة مدعاة للملل العقلى في الإنسان، لا يكاد يقيم عليها أو يتقيد بها، فما نال شيئاً إلا ليطمع في غيره، وما فاز بلذة إلا ليزهد فيها، وأجل ما أحبه الإنسان أن يناله، فإذا ناله وقع فيه معنى موته، وبدأ في النفس عمراً آخر من حالة أخرى، أو مات ولم يبدأ، فلا بد لهذا الإنسان مع كل صواب من جزء من الخطأ، فإن هو لم يجد خطأ في شيء ائتفك لنفسه الخطأ المضحك في شبه رواية خيالية .

إنه لشعر سخيف بالغ السخافة أن يتخيل الغريق مفكراً في صيد سمكة رآها ولكن هذا من أبلغ البلاغة عند العقل الذى يبحث عن وهم يضيفه إلى هذه الحقيقة ليضحك منها، كما يبحث لنفسه أحياناً في أجمل حقائق اللذة عن عن ألم يتألم به ليعبس فيه.

قلت لنفسي:

فهل ينبغى لى أن أحرق دمى لأنى أفكر، وهل أظل دائماً بهذا التفكير كالذى ينظر في وجه حسناء بمنظار مكبر لا يريه ذلك الوجه المعشوق إلا ثقوياً وتخريماً كأنه خشبة نزعت منها مسامير غليظة فلا يجد المسكين هذه الحقيقة إلا ليفقد ذلك الجمال؟وهل بد من الشبه بين بعض الناس وبين ما ارتصد له من عمل يحيا به، فلا يكون الحوذى حوذياً إلا لشبه بين نفسه وبين الخيل والبغال والحمير؟

وقالت لى النفس:

إن فأس الحطاب لا تكون من أداة الطبيب، فخذ لكل شيء أداته، وكن جاهلاً أحياناً ولكن مثل الجهل الذى يصنع لوجه الطفل بشاشته الدائمة، فهذا الجهل هو أكبر علم الشعور الدقيق المرهف، ولولاه لهلك الأنبياء والحكماء والشعراء غماً وكمداً،ولكانوا في هذا الوجود، على هذه الأرض، بين هذه الحقائق-كالذى قيد وحبس في رهج تثيره القدم والخف والحافز: لا يتنفس إلا الغبار يثار من حوله إلى أن يقضى عليه .

اجهل جهلك ياصاحبى في هذه الشهوات الخسيسة، فإنها العلم الخبيث الذى يفسد الروح، واعرف كيف تقول لروحك الطفلة في ملائكيتها حين تساورك الشهوات هذا ليس لى، هذا لا ينبغي لى .

 

إن الروح الكبيرة هى في حقيقتها الطفل الملائكى وعلم خسائس الحياة يجعل للإنسان في كل خسيسة نفساً تتعلق بها، فيكون المسكين بين نفسين وثلاث وأربع، إلى ثلاثين وأربعين كلهن يتنازعنه، فيضيع بهذه الكثرة، ويصبح بعضه بلاءً على بعض، وتشغله الفضول، فيعود لها كالمزبلة لما ألقى فيها، ويمحق في نفسه الطبيعية حس الفرح بجمال الطبيعة، كما يمحق في المزبلة معنى النظافة ومعنى الحس بها .هذه الأنفس الخيالية في هذا الإنسان المنكود، هى الأرواح التي ينفخها في مصائبه، فتجعلها مصائب حية تعيش في وجوده وتعمل فيه أعمالها، ولولاها لماتت في نفسه مطامع كثيرة فماتت له مصائب كثيرة .

انظر بالروح الشاعرة، ترى الكون كله في سمائه وأرضه انسجاماً واحداً ليس فيه إلاالجمال والسحر وفتنة الطرب وانظر بالعقل العالم، فلن ترى في الكون كله إلا مواد علم الطبيعة والكيمياء ومدى الروح جمال الكون كله،ومدى العقل قطعة من حجر، أو عظمة من حيوان أو نسيجة من نبات، أو فلذة من معدن، وما أشبهها .

اجهل جهلك ياصاحبي، ففى كل حسن غزل بشرط ألا تكون العاشق الطامع،وإلا اصبت في كل حسن همًّا و مشغلة.

قلت لنفسي:

الى الآن لم اقل لك ذلك المعنى الذي كتمته عنكِ.

و قالت لي النفس:

و الى الآن لم اقل لك الا جواب ذلك الذي كتمته عني.

للتحميل بصيغة MP3


التعليقات : 1

إرسال تعليق


أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.

المشاركات الشائعة