الطرائف والبدائع لــ جبران خليل جبران


قراءة: أماني عيسى



قشور ولباب









ماشربت كأساً علقمية إلا كانت ثمالتها عسلاً.
وما صعدت عقبة حرجة إلا بلغت سهلاً أخضر.
وماأضعت صديقاً في ضباب السماء إلا وجدته في جلاء الفجر.


وكم مرة سترت ألمي وحرقتي بنار التجلد متوهماً أن في ذلك الأجر والصلاح ، ولكنني لما خلعت الرداء رأيت الألم قد تحول إلى بهجة والحرقة قد انقلبت برداً وسلاماً.
وكم سكرت بخمرة الذات فحسبتني وجليسي حملاً وذئباً حتى إذا ماصحوت من نشوتي رأيتني بشراً ورأيته بشراً.
أنا وأنتم أيها الناس مأخوذون بما بان من حولنا ، متعامون عمّا خفي من حقيقتنا .
أنا وأنتم مشغوفون بقشور ( أنا ) وسطحيات( أنتم )
لذلك لانبصر ماأسره الروح إليَّ (أنا) وماأخفاه الروح في( أنتم )
وماذا عسى نفعل ونحن بمايساورنا من غرور غافلون عما فينا من الحق ؟
أقول لكم ولنفسي
إن مانراه بأعيننا ليس بأكثر من غمامة تحجب عنا مايجب أن نشاهده ببصائرنا.. ومانسمعه بأذاننا ليس إلا طنطنة تشوش مايجب أن نستوعبه بقلوبنا
فيديو الكتاب
فإن رأينا شرطياً يقود رجلاً إلى السجن علينا ألا نجزم في أيهما المجرم .
وإن رأينا رجلاً مضرجاً بدمه وآخر مخضوب اليدين فمن الحصافة ألا نحتم في أيهما القاتل وأيهما القتيل
وإن سمعنا رجلاً ينشد وآخر يندب فلنصبر ريثما نتثبت أيهما الطروب .
لا ياأخي لاتستدل على حقيقة أمرىءبما بان منه . ولاتتخذ قول امرىء أو عملاً من أعماله عنواناً لطويته .
قد تزور قصراً وكوخاً في يوم واحد ، فتخرج من الأول متهيباً ومن الثاني مشفقاً ، ولكن لو استطعت تمزيق ماتحوكه حواسك من الظواهر لتقلص تهيبك وهبط إلى مستوى الأسف ، وانبدلت شفقتك وتصاعدت إلى مرتبة الإجلال .
لا ليست الحياة بسطوحها بل بخفاياها ، ولا المرئيات بقشورها بل بلبابها ولا الناس بوجوههم بل بقلوبهم .
لا ولا الدين بماتظهره المعابد وتبينه الطقوس والتقاليد ، بل بما يختبىء في النفوس ويتجوهر بالنيات .
لا ياأخي ، ليست الأيام والليالي بظواهرها ، وأنا ، أنا السائر في موكب الأيام والليالي ،
لست بهذا الكلام الذي أطرحه عليك إلا بقدر مايحمله إليك الكلام من طويتي الساكنة ،
إذن لاتحسبني جاهلاً قبل أن تفحص ذاتي الخفية ، ولاتتوهمني عبقرياً قبل أن تجردني من ذاتي المقتبسة ،
لاتقل هو بخيل قابض الكف قبل أن ترى قلبي ، أو هو كريم جواد قبل أن تعرف الواعز إلى كرمي وجودي ،
لاتدعني محباً حتى يتجلى لك حبي بكل مافيه من النور والنار ، ولاتعدني خلياً حتى تلمس جراحي الدامية.


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.

المشاركات الشائعة