أماني عيسى

 

 

 

من كتاب رجال حول الرسول

لخالد محمد خالد

قراءة: أماني عيسى


من بلاد فارس, يجيء البطل هذه المرة.

ومن بلاد فارس, عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد, فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان, وفي العلم.. في الدين, وفي الدنيا.

وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمته, ألا يدخل بلدا من بلاد الله إلا ويثير في اعجاز باهر, كل نبوغها ويحرّك كل طاقاتها, ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها, فاذا الفلاسفة المسلمون, والأطباء المسلمون, والفقهاء المسلمون, والفلكيون المسلمون, والمخترعون المسلمون, وعلماء الرياضة المسلمون.

وإذا بهم يبزغون من كل أفق, ويطلعون من كل بلد, حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل, والارادة, والضمير أوطانهم شتى, ودينهم واحد.

ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.

لا, بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم, ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض, وقصور أربابها.

وكان سلمان الفارسي شاهدًا, وكان له بما حدث علاقة وثقى.

 

 

للتحميل بصيغة MP3

 

» تابع القراءة

                M3N4NET-103563-1

 

 

من كتاب رجال حول الرسول

خالد محمد خالد

قراءة: أماني عيسى

 

هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.


غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالًا وشبابًا.


يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون كان أعطر أهل مكة.


ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها.


ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به مصعب بن عمير,
ذلك الفتى الريّان، المدلل المنعّم، حديث حسان مكة، ولؤلؤة ندواتها ومجالسها، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء؟!

 

 

 

 

 

للتحميل بصيغة MP3

» تابع القراءة


       images (2)


أيها المحزون
مصطفى لطفي المنفلوطي
من النظرات والعبرات
قراءة: أماني عيسى


إن كنت تعلم أنك قد أخذت على الدهر عهداً أن يكون لك كما تريد في جميع شؤونك وأطوارك، وأن لا يعطيك ولا يمنعك إلا كما تحب وتشتهي، فجدير بك أن تطلق لنفسك في سبيل الحزن عنانها كلما فاتك مأرب، أو استعصى عليك مطلب.


وإن كنت تعلم أخلاق الأيام في أخذها وردها، وعطائها ومنعها، وأنها لا تنام عن منحة تمنحها حتى تكر عليها راجعة فتستردها،وأن هذه سنتها وتلك خلتها في جميع أبناء آدم، سواء في ذلك ساكن القصر وساكن الكوخ، ومن يطأ بنعله هام الجوزاء،
ومن ينام على بساط الغبراء؛ فخفِّض من حزنك، وكفكف من دمعك؛ فما أنت بأول غرض أصابه سهم الزمان،وما مُصابك بالبدعة الطريفة في جريدة المصائب والأحزان.
شاهد الفيديو الصوتي

أنت حزين لأن نجماً زاهراً من الأمل كان يتراءى لك في سماء حياتك فيملأ عينيك نوراً، وقلبك سروراً، وما هي إلا كرُّةُ الطرف أن افتقدته، فما وجدته، ولو أنك أجملت في أملك، لما غلوت في حزنك، ولو كنت أنعمت نظرك فيما تراءى لك لرأيت برقاً خاطفاً،ما تظنه نجماً زاهراً، وهنالك لا يبهرك طلوعه، فلا يفجعك أفوله.

أسعد الناس في هذه الحياة من إذا وافته النعمة تنكر لها، ونظر إليها نظرة المستريب بها وترقب في كل ساعة زوالها وفناءها،فإن بقيت في يده فذاك، وإلا فقد أعد لفراقها عدته من قبل.
لولا السرور في ساعة الميلاد ما كان البكاء في ساعة الموت، ولولا الوثوق بدوام الغنى ما كان الجزع من الفقر، لولا فرحة التلاق، ما كانت ترحة الفراق.



» تابع القراءة




 الطرائف والبدائع لــ جبران خليل جبران


قراءة: أماني عيسى



قشور ولباب









ماشربت كأساً علقمية إلا كانت ثمالتها عسلاً.
وما صعدت عقبة حرجة إلا بلغت سهلاً أخضر.
وماأضعت صديقاً في ضباب السماء إلا وجدته في جلاء الفجر.


وكم مرة سترت ألمي وحرقتي بنار التجلد متوهماً أن في ذلك الأجر والصلاح ، ولكنني لما خلعت الرداء رأيت الألم قد تحول إلى بهجة والحرقة قد انقلبت برداً وسلاماً.
وكم سكرت بخمرة الذات فحسبتني وجليسي حملاً وذئباً حتى إذا ماصحوت من نشوتي رأيتني بشراً ورأيته بشراً.
أنا وأنتم أيها الناس مأخوذون بما بان من حولنا ، متعامون عمّا خفي من حقيقتنا .
أنا وأنتم مشغوفون بقشور ( أنا ) وسطحيات( أنتم )
لذلك لانبصر ماأسره الروح إليَّ (أنا) وماأخفاه الروح في( أنتم )
وماذا عسى نفعل ونحن بمايساورنا من غرور غافلون عما فينا من الحق ؟
أقول لكم ولنفسي
إن مانراه بأعيننا ليس بأكثر من غمامة تحجب عنا مايجب أن نشاهده ببصائرنا.. ومانسمعه بأذاننا ليس إلا طنطنة تشوش مايجب أن نستوعبه بقلوبنا
فيديو الكتاب
فإن رأينا شرطياً يقود رجلاً إلى السجن علينا ألا نجزم في أيهما المجرم .
وإن رأينا رجلاً مضرجاً بدمه وآخر مخضوب اليدين فمن الحصافة ألا نحتم في أيهما القاتل وأيهما القتيل
وإن سمعنا رجلاً ينشد وآخر يندب فلنصبر ريثما نتثبت أيهما الطروب .
لا ياأخي لاتستدل على حقيقة أمرىءبما بان منه . ولاتتخذ قول امرىء أو عملاً من أعماله عنواناً لطويته .
قد تزور قصراً وكوخاً في يوم واحد ، فتخرج من الأول متهيباً ومن الثاني مشفقاً ، ولكن لو استطعت تمزيق ماتحوكه حواسك من الظواهر لتقلص تهيبك وهبط إلى مستوى الأسف ، وانبدلت شفقتك وتصاعدت إلى مرتبة الإجلال .
لا ليست الحياة بسطوحها بل بخفاياها ، ولا المرئيات بقشورها بل بلبابها ولا الناس بوجوههم بل بقلوبهم .
لا ولا الدين بماتظهره المعابد وتبينه الطقوس والتقاليد ، بل بما يختبىء في النفوس ويتجوهر بالنيات .
لا ياأخي ، ليست الأيام والليالي بظواهرها ، وأنا ، أنا السائر في موكب الأيام والليالي ،
لست بهذا الكلام الذي أطرحه عليك إلا بقدر مايحمله إليك الكلام من طويتي الساكنة ،
إذن لاتحسبني جاهلاً قبل أن تفحص ذاتي الخفية ، ولاتتوهمني عبقرياً قبل أن تجردني من ذاتي المقتبسة ،
لاتقل هو بخيل قابض الكف قبل أن ترى قلبي ، أو هو كريم جواد قبل أن تعرف الواعز إلى كرمي وجودي ،
لاتدعني محباً حتى يتجلى لك حبي بكل مافيه من النور والنار ، ولاتعدني خلياً حتى تلمس جراحي الدامية.
» تابع القراءة

 

               Latest 2012 Beautiful Beach Wallpapers HD Graphics

 

 

 

مصطفى صادق الرافعي

من وحي القلم

قراءة: أماني عيسى

ما أجمل الأرض على حاشية الأزرقين: البحر والسماء؛ يكاد الجالس هنا يظن نفسه مرسومًا في صورة إلهية.
نظرتُ إلى هذا البحر العظيم بعينَيْ طفل يتخيل أن البحر قد مُلِئَ بالأمس، وأن السماء كانت إناء له، فانكفأ الإناء فاندفق البحر، وتسرحت مع هذا الخيال الطفلي الصغير فكأنما نالني رشاش من الإناء.
إننا لن ندرك روعة الجمال في الطبيعة إلا إذا كانت النفس قريبة من طفولتها، ومرح الطفولة، ولعبها، وهذيانها.

 

 

تبدو لك السماء على البحر أعظم مما هي، كما لو كنتَ تنظر إليها من سماء أخرى لا من الأرض.
إذا أنا سافرت فجئت إلى البحر، أو نزلت بالصحراء، أو حللت بالجبل، شعرت أول وهلة من دهشة السرور بما كنت أشعر بمثله لو أن الجبل أو الصحراء أو البحر قد سافرتْ هي وجاءت إليّ.
في جمال النفس يكون كل شيء جميلًا، إذ تلقي النفس عليه من ألوانها, فتنقلب الدار الصغيرة قصرًا لأنها في سعة النفس لا في مساحتها هي، وتعرف لنور النهار عذوبة كعذوبة الماء على الظمأ، ويظهر الليل كأنه معرض جواهر أقيم للحور العين في السموات، ويبدو الفجر بألوانه وأنواره ونسماته كأنه جنة سابحة في الهواء.
في جمال النفس ترى الجمال ضرورة من ضرورات الخليقة؛ ويكأن الله أمر العالم ألا يعبس للقلب المبتسم.
أيام المصيف هي الأيام التي ينطلق فيها الإنسان الطبيعي المحبوس في الإنسان؛ فيرتد إلى دهره الأول، دهر الغابات والبحار والجبال.
إن لم تكن أيام المصيف بمثل هذا المعنى، لم يكن فيها معنى.
ليست اللذة في الراحة ولا الفراغ، ولكنها في التعب والكدح والمشقة حين تتحول أيامًا إلى راحة وفراغ.
لا تتم فائدة الانتقال من بلد إلى بلد إلا إذا انتقلت النفس من شعور إلى شعور؛ فإذا سافر معك الهم فأنت مقيم لم تبرح.
الحياة في المصيف تثبت للإنسان أنها إنما تكون حيث لا يُحفَل بها كثيرًا.
يشعر المرء في المدن أنه بين آثار الإنسان وأعماله، فهو في روح العناء والكدح والنزاع؛ أما في الطبيعة فيحس أنه بين الجمال والعجائب الإلهية، فهو هنا في روح اللذة والسرور والجلال.
إذا كنتَ في أيام الطبيعة فاجعل فكرك خاليًا وفرِّغه للنبت والشجر، والحجر والمَدَر، والطير والحيوان، والزهر والعشب، والماء والسماء، ونور النهار وظلام الليل، حينئذ يفتح العالم بابه ويقول: ادخل.
لطف الجمال صورة أخرى من عظمة الجمال؛ عرفتُ ذلك حينما أبصرت قطرة من الماء تلمع في غصن، فخيل إليّ أن لها عظمة البحر لو صَغُر فعُلّق على ورقة.
في لحظة من لحظات الجسد الروحانية حين يفور شِعر الجمال في الدم، أطلتُ النظر إلى وردة في غصنها زاهية عطرة، متأنقة، متأنثة؛ فكدت أقول لها: أنت أيتها المرأة، أنت يا فلانة.
أليس عجيبًا أن كل إنسان يرى في الأرض بعض الأمكنة كأنها أمكنة للروح خاصة؛ فهل يدل هذا على شيء إلا أن خيال الجنة منذ آدم وحواء، لا يزال يعمل في النفس الإنسانية؟
الحياة في المدينة كشرب الماء في كوب من الخزف؛ والحياة في الطبيعة كشرب الماء في كوب من البَلُّور الساطع؛ ذاك يحتوي الماء وهذا يحتويه ويبدي جماله للعين.
وا أسفاه، هذه هي الحقيقة: إن دقة الفهم للحياة تفسدها على صاحبها كدقة الفهم للحب، وإن العقل الصغير في فهمه للحب والحياة، هو العقل الكامل في التذاذه بهما. وا أسفاه، هذه هي الحقيقة!
في هذه الأيام الطبيعية التي يجعلها المصيف أيام سرور ونسيان، يشعر كل إنسان أنه يستطيع أن يقول للدنيا كلمة هزل ودعابة.
من لم يُرزق الفكر العاشق لم ير أشياء الطبيعة إلا في أسمائها وشياتها، دون حقائقها ومعانيها، كالرجل إذا لم يعشق رأى النساء كلهن سواء، فإذا عشق رأى فيهن نساء غير من عرف، وأصبحن عنده أدلة على صفات الجمال الذي في قلبه.
تقوم دنيا الرزق بما تحتاجه الحياة، أما دنيا المصيف فقائمة بما تلذه الحياة، وهذا هو الذي يغير الطبيعة ويجعل الجو نفسه هناك جو مائدة ظرفاء وظريفات.
تعمل أيام المصيف بعد انقضائها عملًا كبيرًا، هو إدخال بعض الشعر في حقائق الحياة.هذه السماء فوقنا في كل مكان، غير أن العجيب أن أكثر الناس يرحلون إلى المصايف ليروا أشياء, منها السماء.
إذا استقبلتَ العالم بالنفس الواسعة رأيت حقائق السرور تزيد وتتسع، وحقائق الهموم تصغر وتضيق، وأدركت أن دنياك إن ضاقت فأنت الضيق لا هي.
في الساعة التاسعة أذهب إلى عملي، وفي العاشرة أعمل كَيْت، وفي الحادية عشرة أعمل كيت وكيت؛ وهنا في المصيف تفقد التاسعة وأخواتها معانيها الزمنية التي كانت تضعها الأيام فيها، وتستبدل منها المعاني التي تضعها فيها النفس الحرة.
هذه هي الطريقة التي تصنع بها السعادة أحيانًا، وهي طريقة لا يقدر عليها أحد في الدنيا كصغار الأطفال.إذا تلاقى الناس في مكان على حالة متشابهة من السرور وتوهمه والفكرة فيه، وكان هذا المكان معدًّا بطبيعته الجميلة لنسيان الحياة ومكارهها, فتلك هي الرواية وممثلوها ومسرحها ، أما الموضوع فالسخرية من إنسان المدينة ومدنية الإنسان.ما أصدق ما قالوه: إن المرئي في الرائي. مرضت مدة في المصيف، فانقلبت الطبيعة العروس التي كانت تتزين كل يوم إلى طبيعة عجوز تذهب كل يوم إلى الطبيب.

» تابع القراءة

               image

 

 

 

مصطفى صادق الرافعي

من وحي القلم

قراءة: أماني عيسى

ذهبتُ في صبُح يوم ... أحملُ نفسي بنفسي إلى المقبَرَة، وقد مات لي من الخواطر مَوْتَى لا مَيِّتٌ واحد؛ فكنت أمشي وفيَّ جنازةٌ بمُشَيِّعيها؛ من فكر يَحملُ فكراً، وخاطر يتبع خاطراً، ومعنىً يَبكِي، ومعنىً يُبكَي عليه.

وكذلك دأبي كلما انحدرتُ في هذه الطريق إلى غير ذلك المكان، الذي تأتيه العيون بدموعها، وتمشي إليه النفوس بأحزانها، وتجيء فيه القلوب إلى بقايا.

تلك المقابر التي لا يُنَادَى أهلُها من أهليهم بالأسماء ولا بالألقاب، ولكن بهذا النداء: يا أحبابنا، يا أحزانَنَا.

 

 

ذهبتُ أزورُ أمواتي الأعزاء، وأتصل منهم بأطراف نفسي؛ لأحيا معهم في الموت ساعةً، أعرض فيها أمرَ الدنيا على أمر الآخرة، فأنسى وأذكر، ثم أنظرُ وأعتبر، ثم أتعرَّف وأتوسَّم، ثم أستبطِنُ مما في بطن الأرض، وأستَظهِرُ مما على ظهرها.

وجلست هناك أُشْرِفُ من دهرٍ على دهر، ومن دنيا على دنيا، وأخرجت الذاكرةُ أفراحها القديمة؛ لتجعلَها مادةً جديدة لأحزانها، وانفتح لي الزمن الماضي، فرأيت رجعة الأمس، وكأن دهراً كاملاً خُلق بحوادثه وأيامه، ورُفع لعينيَّ كما ترفع الصورة المعلقة في إطارها.

أعرف أنهم ماتوا، ولكني لم أشعر قطُّ إلا أنهم غابوا، والحبيبُ الغائبُ لا يتغيَّرُ عليه الزمان ولا المكان في القلب الذي يحبه، مهما تَراخَتْ به الأيام [امتدت]؛ وهذه هي بقية الروح إذا امتزجت بالحب في روح أخرى: تترك فيها ما لا يُمحَى؛ لأنها هي خالدة لا تُمحى.

ذهب الأموات ذهابهم، ولم يقيموا في الدنيا، ومعنى ذلك أنهم مرُّوا بالدنيا ليس غيرُ، فهذه هي الحياة حين تعبِّر عنها النفس بلسانها لا بلسان حاجتها وحرصها.

الحياة مدةُ عمل، وكأن هذه الدنيا بكل ما فيها من المتناقضات، إن هي إلا مَصْنَعٌ يُسَوَّغُ كل إنسان جانباً منه، ثم يقال له: هذه الأداة فاصنع ما شئت: فضيلتَك أو رذيلتَك.

جلست في المقبرة، وأطرقت أُفكر في هذا الموت، يا عجباً للناس ! كيف لا يستشعرونه وهو يهدم من كل حي أجزاءً تحيط به قبل أن يهدمه هو بجملته، وما زال كل بنيان من الناس به كالحائط الـمُـسَلَّطِ عليه خرابه، يتأكَّلُ من هنا، ويتناثر من هناك؟!

يا عجباً للناس عجباً لا ينتهي! كيف يجعلون الحياة مدة نزاع وهي مدة عمل؟ وكيف لا تبرح تنزو النَّوازِي بهم في الخلاف والباطل، وهم كلما تَدَافَعوا بينهم قضيةً من النزاع، فضربوا خصماً بخصم، وردُّوا كيداً بكيد، جاء حكم الموت تكذيباً قاطعاً لكل من يقول لشيء: هذا لي؟

أما والله إنه ليس أعجب في السخرية بهذه الدنيا من أن يعطي الناس ما يملكونه فيها لإثبات أن أحداً منهم لا يملك منها شيئاً؛ إذ يأتي الآتي إليها لحماً وعظماً، ولا يرجع عنها الراجع إلا لحماً وعظماً، وبينهما سفاهة العظم واللحم حتى على السِّكـِّين القاطعة.

تأتي الأيام وهي في الحقيقة تفرُّ فرارها؛ فمن جاء من عمره عشرون سنةً فإنما مضت هذه العشرون من عمره، ولقد كان ينبغي أن تُصحَّح أعمال الحياة في الناس على هذه الأصل البيِّن، لولا الطباع المدخولة، والنفوس الغافلة، والعقول الضعيفة، والشهوات العارمة؛ فإنه مادام العمر مقبلاً مدبراً في اعتبار واحد، فليس للإنسان أن يتناول من الدنيا إلا ما يرضيه محسوباً له ومحسوباً عليه في وقت معاً، وتكونُ الحياة في حقيقتها ليست شيئاً، إلَّا أن يكونَ الضميرُ الإنسانيُّ هو الحيَّ في الحيِّ.

وما هي هذه القبور؟ لقد رجعتْ عند أكثر الناس مع الْمَوتى أبنية ميتة؛ فما قطُّ رأوها موجودةً إلا لينسَوا أنها موجودة، ولولا ذلك من أمرهم لكان للقبر معناه الحي المتغلغل في الحياة إلى بعيد؛ فما القبر إلا بناء قائم لفكرة النهاية والانقطاع، وهو في الطَّرَف الآخر ردٌّ على البيت الذي هو بناء قائم لفكرة البدء والاستمرار، وبين الطَّرفين الـمَعْبَد، وهو بناء لفكرة الضمير، الذي يحيا في البيت وفي القبر، فهو على الحياة والموت كالقاضي بين خصمين يصلح بينهما صُلحاً أو يَقضى.

القبر كلمة الصدق مبنيةً متجسِّمةً، فكل ما حولها يَتَكَذَّب ويتأوَّل، وليس فيها هي إلا معناها لا يَدْخُلُه كذبٌ، ولا يعتريه تأويل، وإذا ماتت في الأحياء كلمة الموت من غرور، أو باطل، أو غفلة، أو أثرة، بقي القبر مذَكِّراً بالكلمة، شارحاً لها بأظهر معانيها، وداعياً إلى الاعتبار بمدلولها، مبيِّناً بما ينطوي عليه أن الأمر كله للنهاية.

القبر كلمة الأرض لمن ينخدع فيرى العمرَ الماضيَ كأنه غير ماض، فيعمل في إفراغ حياته من الحياة بما يملؤها من رذائله وخسائسه؛ فلا يزال دائباً في معاني الأرض واستجماعها والاستمتاع بها، يتلو في ذلك تِلْوَ الحيوان ويقْتَاسُ به، فشريعته جَوْفُه وأعضاؤه، وترجع في ذلك حيوانيتُه مع نفسه الروحانية، كالحمار مع الذي يملكه ويعلفه، ولو سُئل الحمار عن صاحبه من هو؟ لقال: هو حِماري.

القبر على الأرض كلمةٌ مكتوبةٌ في الأرض إلى آخر الدنيا، معناها أن الإنسان حيٌّ في قانون نهايته؛ فلينظرْ كيف ينتهي.

إذا كان الأمر كله للنهاية، وكان الاعتبارُ بها والجزاء عليها، فالحياةُ هي الحياةُ على طريقة السلامة لا غيرها، طريقةِ إكراه الحيوان الإنسانيِّ على ممارسة الأخلاقية الاجتماعية، وجعلِها أصلاً في طباعه، ووزن أعماله بنتائجها التي تنتهي بها؛ إذ كانت روحانيتُه في النهايات لا في بداياتها.

في الحياة الدنيا يكون الإنسان ذاتاً تعملُ أعمالَها؛ فإذا انتهت الحياة انقلبت أعمالُ الإنسان ذاتاً يُخَلَّد هو فيها؛ فهو من الخير خالدٌ في الخير، ومن الشر هو خالدٌ في الشر؛ فكأن الموتَ إنْ هو إلا ميلادٌ للروح من أعمالها؛ تولد مرتين: آتيةً وراجعة.

وإذا كان الأمرُ للنهاية فقد وجب أن تبطل من الحياة نهاياتٌ كثيرة؛ فلا يترك الشرُّ يمضي إلى نهايته بل يُحسَم في بدئه، ويُقتل في أول أنفاسه، وكذلك الشأنُ في كل ما لا يَحسنُ أن يبدأ، فإنه لا يجوز أن يمتدَّ: كالعداوة والبغضاء، والبخل والأثرة، والكبرياء والغرور، والخداع والكذب، وما شابه هذه أو شابَهَهَا؛ فإنها كلَّها انبعاثٌ من الوجود الحيواني، وانفجارٌ من طبيعته؛ ويجب أن يكون لكل منها في الإرادة قبرٌ كَيْ تَسْلَم للنفس الطيبة إنسانيتها إلى النهاية.

يا مَن لهم في القبور أموات !

إن رؤيةَ القبر زيادة ٌفي الشعور بقيمة الحياة، فيجب أن يكونَ معنى القبر من معاني السلام العقليِّ في هذه الدنيا.

القبر فمٌ ينادي: أسرعوا أسرعوا، فهي مدة لو صُرِفت كلها في الخير ما وَفَتْ به؛ فكيف يضيع منها ضياع في الشر أو الإثم؟

لو ولد الإنسان، ومشى، وأيفع، وشبَّ، واكتهل، وهرم في يوم واحد فما عساه كان يُضيِّع من هذا اليوم الواحد؟ إن أطولَ الأعمار لا يراه صاحبه في ساعة موته إلا أقصرَ من يوم.

ينادي القبر: أصلحوا عيوبكم، وعليكم وقتٌ لإصلاحها؛ فإنها إن جاءت إلى هنا كما هي، بقيت كما هي إلى الأبد، وتركها الوقتُ وهرب.

هنا قبر، وهناك قبر، وهنالك القبرُ أيضاً؛ فليس ينظر في هذا عاقلٌ إلا كان نظره كأنه حُكْمُ محكمةٍ على هذه الحياة كيف تنبغي، وكيف تكون؟

في القبر معنى إلغاء الزمان، فمن يفهم هذا استطاع أن ينتصر على أيامه، وأن يسقط منها أوقات الشر والإثم، وأن يميت في نفسه خواطر السوء؛ فمن معاني القبر ينشأ للإرادة عقلها القويُّ الثابت، وكل الأيام المكروهة لا تجد لها مكاناً في هذا العقل، كما لا يجد الليل محلًّا في ساعات الشمس.

ثلاثةُ أرواح لا تَصلُح روحُ الإنسان في الأرض إلا بها: روح الطبيعة في جمالها، وروحُ المعبد في طهارته، وروحُ القبر في موعظته.

للتحميل بصيغة MP3

» تابع القراءة

          محمد

 

 

قراءة: أماني عيسى

 

 

 

يعرض الدكتور مصطفى محمود في هذا الكتاب قصص ومقتطفات من أهم المواقف في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم, ويبرهن أنه لم يكن مجرد عبقري أو مصلح إجتماعي أو ولي كما يدّعي بعض الكتاب الماديين, بل كان معجزة تسير على الأرض وصانع رجال.

 

 

 

1\5 محمد (محمد صل الله عليه وسلم) - د.مصطفى محمود

 

 

مقتطفات من الكتاب:

 

وهذا محمد النبي وقد إجتمعت فيه كمالات بلغ في كل منها الذروة, فهو العابد المبتهل الذي يذوب خشوعاً ويفنى حباً, وهو المقاتل الصنديد الذي يتعرض لجحافل الموت ثابت القدم وألوف الفرسان والأبطال يفرون أمامه كالجرذان, وهو المخطط العبقري الذي يرسم الخطط فيتفوق على أهل الحرفة, وهو السياسي الحاذق الذ يحرك المجاميع ويمسك بمقاليد المشاعر بمهارة المايسترو والمبدع, وهو المحدّث الذي ينطق بجوامع الكلم, هوالأب,الزوج والصديق وهو صاحب الدعوة الذي يقيم نظاماً وينشىء دولة من عدم من قبائل وشراذم متفرقة لاتعرف إلا قطع الطريق والثأر والتفاخر بالأنساب, وهو برزخ الأسرار المكاشف بالملكوت الذي يستمع إلى الله وملائكته كما نستمع نحن بعضنا إلى بعض بالغاً بذلك القمة في علوم الظاهر وعلوم الباطن معاً وفي الوقت نفسه وهو الكليم الحليم الرؤف الصبور الباش البسام اللطيف المعشر,لاتمنعه الأعباء الجسام من ملاطفة الطفل والوليد فيحمله على كتفه راكعاً وساجداً وقائماً, ولا من مغازلة زوجه في حنان,لاينضب لعواطفه معين وكأنه يستمد من بحر, هذه الذات هي المعجزة.

 

 

 

2\5 محمد (ليست عظمة بل نبوة) د.مصطفى محمود

 

 

 

فالعبقرى هو من نبغ فى صفة أو مجال معين ولكن المصطفى كان نابها نابغا فى جميع المجالات.
والمصلح الإجتماعي من أهل الإجتهاد يخطئ ويصيب لا عصمة له ولا خروج من دائرة المحسوس.
أما الولي فكل حظه لحظة شفافية وإطلالة خاطفة من باب موارب ما يلبث أن يعود فينغلق فليس له عصمة ولا تبليغ ولا تكليف.
أما محمد النبى فقد كان بشرا ولكن ليس كباقى البشر فهو جليس ربه. الموحى إليه الذى لا ينطق عن الهوى فهو فى حضرة الملأ الأعلى يرى جبريل رأى العين ويسمع منه . هو برزخ بين الشهادة والغيب ونحن على شاطئ المحسوس لانكاد نطل على البر الآخر إلا فى حلم أو شطحة فكر أو كرامة, فهذا هو الفرق بين النبى والولى والمصلح الإجتماعى, فليس كل مصلح نبى ولكن كل نبى مصلح.

 

 

 

3\5 محمد (روح مشعة آسرة) د.مصطفى محمود

 

 

 

4\5 محمد (مسيرة كالإعصار) د.مصطفى محمود

 

 

 

5\5 محمد (محمد صانع الرجال) د.مصطفى محمود

 

 

 

أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدأ رسول الله, وحسبي من الحياة أملًا أن أتبع سنته وأدعو دعوته وأبعث في لوائه وأحشر على قدمه, صلوات الله وسلامه على سيدنا محمد إلى آخر الدهر.

 

لتحميل الكتاب مسموع MP3

» تابع القراءة

المشاركات الشائعة